الاثنين، 12 ديسمبر 2011

كسوف الشمس والقمر آيتان يخوف الله بهما عباده ...

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد:


فإن الآيات الدالة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته لا تعد ولا تحصى ومن أظهرها الشمس والقمر فعِظَمُ خلقها وانتظام سيرها وإمساكها في فلكها لا تقع على الأرض دليل ظاهر على كمال قدرة الله التي لا تعجزها شيء.


وما جعل فيها من المصالح للعباد بمعرفة السنينَ والحسابِ واختلافِ الزروع والثمار وتقلب الفصول وغير ذلك دليل على كمال حكمته وعلى واسع رحمته سبحانه.


إن القرآن الكريم مليئ بالحديث عن هاتين الآيتين العظيمتين فقرر سبحانه بأنهما مخلوقان لله ليسا خالقين ولا مدبرين ولا يملكان ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا موتا ولا نشوراً (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (الانبياء:33)


وقرر أنهما آيتان تدلان على وحدانيته سبحانه فمن خلقهما هو المستحق للعبادة لا الشمس ولا القمر فقال تعالى


(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37)


إن الشمس والقمر لا يُسجد لهما ولكنهما هما اللذان يسجدان لله ومن سجودهما له تصرفهما على حسب مشيئة الله وأمره لا تطلع إلا بإذنه ولا تغيب إلا بإذنه


(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ)




وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له حين غربت الشمس ( تدري أين تذهب ) .


قلت الله ورسوله أعلم قال

( فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) متفق عليه.


وامتن على عباده بأن جعلهما مسخرين لمصالح العباد فقال تعالى


(وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (ابراهيم:34)


وقال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل:12)


فهذا أنت أيها المخلوق الضعيف يسخر الله لك ما في السموات وما في الأرض مما تعلم ومما لا تعلم من أجل أن تتم بها مصالحك ويستقيم أمر معاشك حتى تعبد الله وتقوم بالواجب الذي خلقت من أجله بفعل طاعته واجتناب معصيته ثم أبى أكثر الناس إلا كفورا والعياذ بالله..


ثم إن مصير هاتين الآيتين العظيميتن أن الله يطفئ نورهما ويلفهما كما تلف العمامة ثم يوضعان في نار جهنم تبكيتاً وتعذيبا لمن كان يعبدهما


فيقال لهم بلسان الحال أو لسان المقال: هذه آلهتكم التي كنتم تعبدونها أفغنت عنكم شيئاً ؟!


في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الشمس والقمر مكوران يوم القيامة)



وفي رواية غيره (في النار) وفي رواية (ليراهما من عبدهما) .


وإن من آيات الله في الشمس والقمر أن يَذهب بنورهما في الدنيا ذهاباً مؤقتا حتى يري عبادته كمال قدرته التي قهر بها خلقه وحتى يعلموا أنهما مخلقان ضعيفان مدبران بأمر الله ، وحتى ينيبوا إلى ربهم ويخبتوا له ويتوبوا إليه من معاصيهم فإن كسوف الشمس والقمر آيتان يخوف الله بهما عباده ليتوبوا ولهذا كان أكمل الخلق علما بالله وأكملهم خشية له وأتمهم له عبودية صلوات الله وسلامه عليه لما حدث الكسوف في زمنه صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم وكان يوماً شديد الحر وبعد ارتفاع الشمس من الضحى فلما رأى كسوفها فزع وقام إلى المسجد يجر رداءه وأمر بأن ينادى إن الصلاة جامعة فاجتمع الناس وصلى بهم صلاة جهرية طويلة فكبر وقرأ الفاتحة وسورة طويلة نحو سورة البقرة حتى كان بعض أصحابه يخرون مغشياً عليهم من طول القيام والحر ثم ركع ركوعا طويلاً ثم رفع ثم قرأ الفاتحة ثم قرأ سورة طويلة دون الأولى ثم ركع ركوعا طويلا دون الأول ثم رفع ثم سجد سجدتين طويلتين ثم رفع ففعل كما فعل في الركعة الأولى.


وفي صلاته هذه رآه أصحابه تقدم ومد يده كأنه يتناول شيئاً ثم رأوه راجعا وراءه كأنما يحاذر من شيء حتى رجعت الصفوف من خلفه


وبعد أن أتم صلاته قام فوعظ الناس وخوفهم من غضب الله وقال ردا على من زعم أنها كسفتت لموت ابنه إبراهيم


(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته)


ثم أخبرهم بأنه رأى الجنة والنار وفتنة القبور وشيئاً من عذاب البرزخ في مقامه ذلك وأنه تقدم لما رأى الجنة ورأى فيها عنقوداً من عنب فأراد أن يتناوله ثم أعرض عن ذلك ولو ناولهم إياه لأكل منه الناس ما بقيت الدنيا وأنه لما رأى النار رجع وراءه وأنه لم ير منظرا قط أفظع منها




ورأى فيها عمْراً الخزاعي الذي غير دين إبراهيم وصرف الناس إلى عبادة الأصنام



وتسييب السوائب رآه وهو يجر أمعاءه في نار جهنم والعياذ بالله ورأى في النار الرجل الذي كان يسرق أمتعة الحجاج بعصاه ورأى امرأة تخمشها هرة في النار كانت قد حبستها في الدنيا فلم تطعمها ولم تطلقها حتى ماتت.


ورأى أكثر سكان النار من النساء لأنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير .

ورأى فتنة القبور وأن الناس يُسألون ويمتحنون ويفتنون في قبورهم فتنة عظيمة كفتنة الدجال.




ثم حذر أمته من الزنا خاصة لأنه إذا فشى وانتشر وظهر كان سبباً في نزول العقوبات العاجلة وخراب الدنيا فقال: يا أمة محمد إن من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا ألا هل بلغت ؟



ثم أمر الناس إذا رأوا هذه الآية أن يفزعوا إلى الصلاة وإلى الدعاء وإلى التوبة وإلى الصدقة وإلى عتق الرقاب المملوكة لأن أسباب العقوبات قد انعقدت وأماراتِها قد ظهرت وهذا طريق الخلاص منها.


فانظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف وانظر إلى حالنا وحال كثير من الناس

تجد الفرق العظيم والبون الشاسع .


أيها القارئ الكريم:


إن كسوف الشمس والقمر آيتان عظيمتان يخوف الله بهما عباده كما صرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في الحديث الصحيح (هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بها عباده فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره ) متفق عليه.


وإن معرفة السبب الطبيعي لهما أعني حجب القمر لضوء الشمس وحجب الأرض لنور القمر لا يعني أنهما ليسا بآيتين ولكن هذا الحجب الذي قدره الله بهذا السبب من وراءه من الحِكَمِ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه تخويف من الله لعباده على ذنوبهم ومعاصيهم وأن عليهم أن يُعتبوا ربهم ويرضوه بتجديد التوبة والإنابة والرجوع وإليه وإقام الصلاة جماعات وفرادى والجماعة أفضل وأن يكثروا من الصدقة والدعاء حتى ينجلي ما بهم.


وفي الختام يجد التنبيه إلى أننا قد ابتلينا بعدد كبير من الكتاب والمتكلمين الذين يحاولون جاهدين إبطال أثر هذه الآيات في تخويف العباد فهاهم يصورونها على أنها حوادث طبيعية لا دخل لذنوب العباد فيها .


فالسيول والغرق ليس لها من سبب إلا الفساد الإداري والعشوائية في البناء


والزلازل ليس لها من سبب إلا الحركة الداخلية في جوف الأرض


سبحان الله فمن الذي حرك الأرض فأهلكت وأجرى السيول فأغرقت وخسف بالشمس فأظلمت أليس الله ..

أليس لو شاء لمنع ذلك فلم يقع؟.


ومن الذي أخبر بأن هذه الكوارث والمصائب المقصود منها تخويف العباد حتى يتوبوا وينيوا ويتعظوا ويعتبروا أليس رسول الذي خلق الخلق عُلويه وسُفليه؟ أليس هو الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.


إن الكسوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع إلا مرة واحدة في السنة الثامنة من الهجرة في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم ثم لم يقع حتى مات صلوات الله وسلامه عليه.. فانظروا وتأملوا كيف كثر وقوعه وحصوله في هذه الأزمان وما ذلك إلا لكثرة الشرور والمعاصي..


فعليك أخي المسلم بلزوم ما دلت عليه النصوص الشرعية في الكتاب والسنة وإياك والاغترار بما يخالفها من الآراء وإن زخرفت بالشبهات الخلابة والأساليب المعسولة فإن الله لم يقل إلا الحق وما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه إلا الحق . فماذا بعد الحق إلا الضلال.


والله اعلم وصلى الله على عبده ورسوله وآله وصحبه وسلم تسليماً.


علي بن يحيى الحدادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق