الخميس، 8 ديسمبر 2011

من شعر الزهد والحكمة .... لأبي العتاهية

(1)

لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛

لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛**** كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ

فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما *** يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ

حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ **** ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ

فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة ***ٍ فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ


لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً؛ ****وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ


وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة ٌ، ****وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ


ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ ****ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ


ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدة ٍ ****ويومُ سُرورٍ مرَّة ً ورخاءِ


وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ؛ **** وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ


أيَا عجبَا للدهرِ لاَ بَلْ لريبِهِ **** يخرِّمُ رَيْبُ الدَّهْرِ كُلَّ إخَاءِ


وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَة**** وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ


إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى ****، فَحَسْبِي بهِ نأْياً وبُعْدَ لِقَاءِ


أزُورُ قبورَ المترفينَ فَلا أرَى ****بَهاءً، وكانوا، قَبلُ،أهل بهاءِ


وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَة ٍ، ****وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ


يعِزُّ دفاعُ الموتِ عن كُلِّ حيلة ****ٍ ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواءِ


ونفسُ الفَتَى مسرورَة ٌ بنمائِهَا ****وللنقْصِ تنْمُو كُلُّ ذاتِ نمَاءِ


وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ ****حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ


أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَة ٍ **** يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ


خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ،****وكُنْ بينَ خوفٍ منهُمَا ورَجَاءُ


وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا ****ولكِنْ كَسَاهُ اللهُ ثوبَ غِطَاءِ


( ديوان أبي العتاهية ص2 تحقيق شكري فيصل ) 

 (2)

أشد الجهاد جهاد الهوى


أشدُّ الجِهَادِ جهادُ الهوى *** ومَا كرَّمَ المرءَ إلاَّ التُّقَى


وأخلاَقُ ذِي الفَضْلِ مَعْرُوفة***ٌ ببذلِ الجمِيلِ وكفِّ الأذَى


وكُلُّ الفَكَاهاتِ ممْلُولة ٌ*** وطُولُ التَّعاشُرِ فيهِ القِلَى


وكلُّ طريفٍ لَهُ لَذَّة ٌ *** وكلُّ تَليدٍ سَريعُ البلَى


ولاَ شَيءَ إلاَّ لَهُ آفَة ٌ ***وَلاَ شَيْءَ إلاَّ لَهُ مُنْتَهَى


وليْسَ الغِنَى نشبٌ فِي يَدٍ ***ولكنْ غِنى النّفس كلُّ الغِنى


وإنَّا لَفِي صُنُعِ ظَاهِرٍ ***يدُلّ على صانعٍ لا يُرَى


( أبو العتاهية أشعاره وأخباره لشكري فيصل ص 7)

(3)


أذَلَّ الحِرْصُ والطَّمَعُ الرِّقابَا

أذَلَّ الحِرْصُ والطَّمَعُ الرِّقابَا *** وقَد يَعفو الكَريمُ، إذا استَرَابَا


إذا اتَّضَحَ الصَّوابُ فلا تَدْعُهُ *** فإنّكَ قلّما ذُقتَ الصّوابَا


وَجَدْتَ لَهُ على اللّهَواتِ بَرْداً،*** كَبَرْدِ الماءِ حِينَ صَفَا وطَابَا


ولَيسَ بحاكِمٍ مَنْ لا يُبَالي، ***أأخْطأَ فِي الحُكومَة ِ أمْ أصَابَا


وإن لكل تلخيص لوجها،*** وإن لكل مسألة جوابا


وإنّ لكُلّ حادِثَة ٍ لوَقْتاً؛ ***وإنّ لكُلّ ذي عَمَلٍ حِسَابَا


وإنّ لكُلّ مُطّلَعٍ لَحَدّاً،*** وإنّ لكُلّ ذي أجَلٍ كِتابَا


وكل سَلامَة ٍ تَعِدُ المَنَايَا؛*** وكلُّ عِمارَة ٍ تَعِدُ الخَرابَا


وكُلُّ مُمَلَّكٍ سَيَصِيرُ يَوْماً، *** وما مَلَكَتْ يَداهُ مَعاً تُرابَا


أبَتْ طَرَفاتُ كُلّ قَريرِ عَينٍ *** بِهَا إلاَّ اضطِراباً وانقِلاَبا


كأنَّ محَاسِنَ الدُّنيا سَرَابٌ ***وأيُّ يَدٍ تَناوَلَتِ السّرابَا


وإنْ يكُ منيَة ٌ عجِلَتْ بشيءٍ ***تُسَرُّ بهِ فإنَّ لَهَا ذَهَابَا


فَيا عَجَبَا تَموتُ، وأنتَ تَبني،*** وتتَّخِذُ المصَانِعَ والقِبَابَا


أرَاكَ وكُلَّما فَتَّحْتَ بَاباً*** مِنَ الدُّنيَا فَتَحَتَ عليْكَ بابَا


ألَمْ ترَ أنَّ غُدوَة َ كُلِّ يومٍ*** تزِيدُكَ مِنْ منيَّتكَ اقترابَا


وحُقَّ لموقِنٍ بالموْتِ أنْ لاَ ***يُسَوّغَهُ الطّعامَ، ولا الشّرَابَا


يدبِّرُ مَا تَرَى مَلْكٌ عَزِيزٌ ***بِهِ شَهِدَتْ حَوَادِثُهُ رِغَابَا


ألَيسَ اللّهُ في كُلٍّ قَريباً؟ *** بلى ! من حَيثُ ما نُودي أجابَا


ولَمْ تَرَ سائلاً للهِ أكْدَى ***ولمْ تَرَ رَاجياً للهِ خَابَا


رأَيْتَ الرُّوحَ جَدْبَ العَيْشِ لمَّا*** عرَفتَ العيشَ مخضاً، واحتِلابَا


ولَسْتَ بغالِبِ الشَّهَواتِ حَتَّى*** تَعِدُّ لَهُنَّ صَبْراً واحْتِسَابَا


فَكُلُّ مُصِيبة ٍ عَظُمَتْ وجَلَّت*** تَخِفُّ إِذَا رَجَوْتَ لَهَا ثَوَابَا


كَبِرْنَا أيُّهَا الأتَرابُ حَتَّى ***كأنّا لم نكُنْ حِيناً شَبَابَا


وكُنَّا كالغُصُونِ إِذَا تَثَنَّتْ*** مِنَ الرّيحانِ مُونِعَة ً رِطَابَا


إلى كَمْ طُولُ صَبْوَتِنا بدارٍ، ***رَأَيْتَ لَهَا اغْتِصَاباً واسْتِلاَبَا


ألا ما للكُهُولِ وللتّصابي، *** إذَا مَا اغْتَرَّ مُكْتَهِلٌ تَصَابَى


فزِعْتُ إلى خِضَابِ الشَّيْبِ منِّي *** وإنّ نُصُولَهُ فَضَحَ الخِضَابَا


مَضَى عنِّي الشَّبَابُ بِغَيرِ رَدٍّ ***فعنْدَ اللهِ احْتَسِبُ الشَّبَابَا


وما مِنْ غايَة ٍ إلاّ المَنَايَا، *** لِمَنْ خَلِقَتْ شَبيبَتُهُ وشَابَا

ومامِنك الشبابُ ولستَ مِنهُ *** إذا سَألتك لِحيتك الخِضابا

( أبو العتاهية أشعاره وأخباره لشكري فيصل ص20)

هناك تعليقان (2):