الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

أسباب تسلط الكفار على المسلمين ... لابن تيمية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قال الشيخ رحمه الله :

(( فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول سلطت عليهم الأعداء



فخرجت الروم النصارى الى الشام والجزيرة مرة بعد مرة وأخذوا الثغور الشامية شيئا بعد شىء


الى أن أخذوا بيت المقدس فى أواخر المائة الرابعة

وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق


وكان أهل الشام بأسوأ حال بين الكفار النصارى والمنافقين الملاحدة الى أن تولى نور الدين الشهيد وقام بما قام به من أمر الاسلام واظهاره والجهاد لأعدائه


ثم استنجد به ملوك مصر بنوا عبيد على النصارى فانجدهم وجرت فصول كثيرة الى أن أخذت مصر من بنى عبيد أخذها صلاح الدين يوسف بن سادى وخطب بها لبنى العباس فمن حينئذ ظهر الاسلام بمصر بعد أن مكثت بايدى المنافقين المرتدين عن دين الاسلام مائة سنة


فكان الايمان بالرسول والجهاد عن دينه سببا لخير الدنيا والآخرة وبالعكس البدع والالحاد ومخالفة ما جاء به سبب لشر الدنيا والآخرة

فلما ظهر فى الشام ومصر والجزيرة الالحاد والبدع سلط عليهم الكفار

ولما اقاموا ما اقاموه من الاسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار


تحقيقا لقوله (( يا ايها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة فى جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين )))



وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالاسلام كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم

فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والالحاد والفجور سلط عليهم الكفار


قال تعالى (( وقضينا الى بنى اسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان اسأتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ))


وكان بعض المشايخ يقول هولاكو ملك الترك التتار الذى قهر الخليفة بالعراق وقتل ببغداد مقتلة عظيمة جدا يقال قتل منهم ألف ألف </SPAN>


وكذلك قتل بحلب دار الملك حينئذ كان بعض الشيوخ يقول

هو للمسلمين بمنزلة بخت نصر لبنى اسرائيل



وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الالحاد والنفاق والبدع


حتى أنه صنف الرازى كتابا فى عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر سماه ( السر المكتوم فى السحر ومخاطبة النجوم ( ويقال أنه صنفه لام السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم شاه


وكان من أعظم ملوك الأرض وكان للرازى به اتصال قوى حتى انه وصى اليه على أولاده وصنف له كتابا سماه ( الرسالة العلائية فى الاختيارات السماوية) .


وهذه الاختيارات لأهل الضلال بدل الاستخارة التى علمها النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين

كما قال جابر فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى وغيره كان رسول الله ( يعلمنا
الاستخارة فى الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول اذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم انى استخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم اللهم ان كنت تعلم أن هذا الأمر ويسميه باسمه خير لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى فاقدره لى ويسره ثم بارك لى فيه وان كنت تعلم أن هذا الأمر شر لى فى دينى ومعاشى وعاقبة أمرى فاصرفه عنى واصرفنى عنه واقدر لى الخير حيث كان ثم رضنى به )


وأهل النجوم لهم اختيارات اذا أراد أحدهم أن يفعل فعلا أخذ طالعا سعيدا فعمل فيه ذلك العمل لينجح بزعمهم وقد صنف الناس كتبا فى الرد عليهم وذكروا كثرة ما يقع من خلاف مقصودهم فيما يخبرون به ويأمرون به وكم يخبرون من خبر فيكون كذبا وكم يأمرون باختيار فيكون شرا

والرازى صنف الاختيارات لهذا الملك وذكر فيه الاختيار لشرب الخمر وغير ذلك كما ذكر فى السر المكتوم فى عبادة الكواكب ودعوتها مع السجود لها والشرك بها ودعائها مثل ما يدعو الموحدون ربهم بل أعظم والتقرب اليها بما يظن أنه مناسب لها من الكفر والفسوق والعصيان


فذكر أنه يتقرب الى الزهرة بفعل الفواحش وشرب الخمر والغناء ونحو ذلك مما حرمه الله ورسوله وهذا فى نفس الأمر يقرب الى الشياطين الذين يأمرونهم بذلك ويقولون لهم ان الكوكب نفسه يحب ذلك


والا فالكواكب مسخرات بأمر الله مطيعة لله لا تأمر بشرك ولا غيره من المعاصى ولكن الشياطين هى التى تأمر بذلك ويسمونها روحانية الكواكب وقد يجعلونها ملائكة وانما هى شياطين


فلما ظهر بأرض المشرق بسبب مثل هذا الملك ونحوه ومثل هذا العالم ونحوه ما ظهر من الالحاد والبدع سلط الله عليهم الترك المشركين الكفار فأبادوا هذا الملك وجرت له أمور فيها عبرة لمن يعتبر ويعلم تحقيق ما اخبر الله به فى كتابه حيث يقول


( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )

أى أن القرآن حق وقال ( سأريكم آياتى فلا تستعجلون وبسط هذا له موضع آخر .

و المقصود هنا أن دولة بنى أمية كان انقراضها بسبب هذا الجعد المعطل وغيره من الأسباب التى أوجبت ادبارها


وفى آخر دولتهم ظهر الجهم بن صفوان بخراسان وقد قيل ان أصله من ترمذ وأظهر قول المعطلة النفاة الجهمية .))

( مجموع الفتاوى 13/ 182 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق