السبت، 24 فبراير 2018

من أضرار المعاصي وأخطارها الخاصة والعامة

الحمد لله مُوقِظ القلوب الغافلة، بالتذكير والوعظ، المتفرِّد بتَصرِيف الأحوال والإِبرام والنقض، المطَّلع على خلقه فلا يَخفَى عليه مثقال ذرَّة في السماوات والأرض؛ 

ولذلك حذَّر عباده من هول الموقف يوم العرض؛ 

﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].


احذَرُوا المعاصي والذُّنوب، واتَّقوا خطَرَها على الأبدان والقلوب، وانظُرُوا وتفكَّروا في بليغ أثرها في الأوطان والشُّعوب؛ فإنها والله سلَّابة للنِّعَم، جلَّابة للنِّقَم، مُورِثة لأنواعٍ عظيمةٍ من الفساد، ومُحِلَّة لأنواعٍ من الشُّرور والفِتَن والمصائب في البلاد،

أمَا علمتُم أنَّ المعاصي بريدٌ للكفر، وقاصمةٌ للعمر، ونازعةٌ للبركة من الرِّزق، فكم سبَّبت من قلَّة، وأورثت من ذلَّة، وسوَّدتْ من وجه، وأظلمَتْ من قلب، وضيَّقت من صدْر، وعسَّرت من أمر، وحرَمت من علم، ألاَ وإنَّ العبد ليُحرَم الرزقَ بالذنب يُصِيبه، ويُحرَم العلم بالمعصية يقتَرِفها، وإنَّ من عقوبة السيِّئة فعْلَ السيِّئة بعدها؛ فإنها تحبِّب العاصي إلى جنسها، فتجره إلى مثلها، وتُوقِعه في نظيرتها؛

﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 160 - 161].

وبذلك يَظهَر سرُّ دَوام تخلُّف بعض الناس عن الصلوات، وكسلهم في القِيام إليها في كثيرٍ من الأوقات، وإدمان كثيرٍ من العُصَاة تَعاطِي المسكرات وأنواع المخدرات، واستمرار آخرين منهم في أكل الربا، وإصرارهم على أنواعٍ من المنكر والفَحشاء،


وكثْرة المتبرِّجات والمترجِّلات من النِّساء،

فذلك من شؤم المعاصي على أهْلها، حتى إنَّ صاحِبَها لَيفعَلُها مع علمه بحكمها، وشدَّة ضررها، وعظيم خطرها؛
﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [فاطر: 8]، ﴿ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43].

ومن أعظم أضرار المعاصي أنها تنزع الحياء من نفْس العاصي، حتى يُجاهِر بها الداني والقاصي، ويُعلِنها بعد أنْ فتن بها واستحسَنَها،

ويرى أنَّ الإصرار عليها ضرورة، والمجاهرة بها مَفخَرة،

واعتبروا ذلك بِمَن فتن بإسبال الثياب، وحلْق اللِّحى، فإنَّه قد أعجب بالفتنة واستَبشَع السنَّة، ورأى المعصية حسنة وزينة، فلا يخرج من بيته للناس إلا وهو عاصٍ لربِّه، مخالفٌ لسنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -

وفي الصحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كلُّ أمَّتي مُعافًى إلا المجاهرون)).

والإِصرار على المعصية، والافتخار بالسيِّئة، واحتِقار الخطيئة - علاماتٌ على فَساد القلب، وذهاب الحياء، وانتِكاس الفطرة، وعَمَى البصيرة؛

ولذا تجد مَن هذه حالُه لا يُفكِّر في التوبة، ولا يخشى عاقبة الخطيئة، وربما خطَرتْ له التوبة ولكن يُبتَلَى بالتسويف، حتى يفجَؤُه الموت على حين غرَّة، فلا تُقبَل منه التوبة عند المعايَنة؛

قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 17 - 18].

فشرط قبول التوبة أنْ تكون المعصية بجهالة - وما عُصِي الله إلا بجهل - وأنْ تكون عن قرب زمن الخطيئة، ومَن تاب قبلَ الموت فقد تاب من قريب،

فإنَّ ذلك علامةُ خشيةِ الله - عزَّ وجلَّ - ولا تُقبَل التوبة من المصرِّين على المعصية حتى الموت،

ولا من كافرٍ مستمرٍّ على كُفرِه حتى حضَرَه الموت، وقد قال ربُّ العالمين أحكَمُ الحاكمين لفرعون اللَّعٍين: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 91].
ومن أخطر عقوبات المعاصي على الداني والقاصي أنَّ المعصية قد تعرض لصاحبها عند الوفاة فينشَغِل بها، وتصدُّه عن قول لا إله إلا الله،

كما ذكَر ذلك العلامة ابن القيِّم - رحمه الله -: قيل لرجلٍ: قل: لا إله إلا الله، فقال: هو كافرٌ بما يقول، وقيل لآخر: قل: لا إله إلا الله فقال: كلَّما أردت أنْ أقولها فلساني يمسك عنها، 

وقيل لثالث - وكان شحاذًا -: قل: لا إله إلا الله، فقال: لله فُلَيس، لله فُلَيس حتى مات، وقيل لأحدهم - وكان تاجرًا -: قل: لا إله إلا الله، فقال: هذه القطعة رخيصة، هذا المشتري جيد،

وكان رجلٌ من المطففين في الميزان فقيل له عند الموت: قل: لا إله إلا الله، فقال: لا أستطيع أنْ أقولها؛ لأنَّ كفَّة الميزان على لساني،

عياذًا بالله من حسرة الفوت، والفتنة في الدنيا وعند الموت.)

الشيخ عبد الله القصير حفظه الله .
http://www.alukah.net/sharia/0/32386/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق